لقد خسرت غزة أكثر بكثير من مجرد مستشفى عندما فقدت مستشفى الشفاء | غزة
في الشهر الماضي، انسحب الجيش الإسرائيلي أخيراً من مستشفى الشفاء في غزة بعد غارة استمرت أسبوعين، ولم يترك وراءه سوى مشاهد مروعة من الموت والدمار.
كانت الأرض مليئة بالجثث. احترقت معظم المباني وتحولت إلى قذائف فارغة.
ما خسرته غزة في مستشفى الشفاء كان أكثر بكثير من أكبر مجمع طبي فيها. لأن مستشفى الشفاء كان أكثر من مجرد مستشفى لأهل غزة.
بالنسبة لأعضاء مجتمع الرعاية الصحية، كان مستشفى الشفاء بمثابة المنزل – حيث تدربنا وأجرينا الأبحاث وتعلمنا. لقد كان المكان الذي وجدنا فيه الإلهام لنصبح أفضل المعالجين الذين يمكن أن نكون.
بالنسبة لمرضانا، كان مركزًا للأمل. كانوا يعلمون أنهم سيحصلون على أفضل رعاية في مستشفى الشفاء، الذي كان مجهزًا بشكل أفضل بكثير من معظم المستشفيات الأخرى في القطاع.
علاوة على ذلك، كانت الشفاء مكانًا شعبيًا ومعلمًا وطنيًا. قبل الإبادة الجماعية، كانت محاطة بالمطاعم والمكتبات وجامعتين، وكلها على مسافة قريبة. لقد كان حقا القلب النابض لمدينة غزة.
وحولتها إسرائيل إلى أنقاض محترقة، وموقع مجزرة.
وقدمت مؤسسة الشفاء عددًا من الخدمات الفريدة التي لا يستطيع الناس الحصول عليها في أي مكان آخر في غزة. وكان بها أمهر الأطباء وأدوات طبية متطورة مثل أجهزة غسيل الكلى لمرضى الكلى وأجهزة الأشعة. ويمكن لفرقها الطبية المتخصصة إجراء عمليات جراحية نادرة. ولعقود عديدة، صمدت بقوة في ظل الحصار، ونقص المواد، والعديد من الاعتداءات الإسرائيلية، وقدمت الرعاية المنقذة للحياة لملايين الفلسطينيين.
كان مستشفى الشفاء مركزًا للمعرفة للمهنيين الطبيين من خارج غزة. وستحرص كافة الفرق الطبية التي تزور غزة على زيارة مستشفى الشفاء لمشاهدة العمليات الفريدة والتعرف على آخر التطورات في الطب ومتابعة العديد من الدراسات التي تجرى هناك.
وبالنسبة لنا، نحن الأطباء والمسعفون والعاملون في مجال الرعاية الصحية في غزة، كان مستشفى الشفاء رمزًا للتميز الطبي ومصدرًا للإلهام لأنه كان المكان الذي يعمل فيه أفضل وألمع المتخصصين الطبيين في غزة ويخدمون المجتمع.
لقد كان الشفاء رمزا لآمالنا في المستقبل، ولكنه كان أيضا جزءا كبيرا من ماضينا. لقد عولج الكثير منا هناك قبل وقت طويل من بدء تدريبنا الطبي. لقد كانت جوهرة يفتخر بها الجميع في غزة بشدة. وكان تدميرها خسارة لا توصف.
وقال الدكتور مروان أبو سعدة، وهو استشاري جراحي معروف، عقب زيارة للمجمع الطبي بعد الهجوم الإسرائيلي: “لم أستطع حبس دموعي عندما شاهدت الضرر هنا”.
وأضاف: “لم أذرف الدموع على بيتي الذي تضرر، بل على دمار المستشفى، وعلى كل الطاقم الطبي والجرحى في غزة”.
أشاركه مشاعر الخسارة والدمار وأعلم أن العديد من العاملين في مجال الرعاية الصحية يفعلون ذلك أيضًا.
لقد هددت إسرائيل مخيم الشفاء منذ فترة طويلة، ولكن الكثير منا لم يصدق، ولم يتخيل أن الدمار على النطاق الذي شهدناه في نهاية المطاف يمكن أن يحدث. لا أستطيع أن أصف الصدمة التي شعرت بها عندما رأيت مستشفى الشفاء، قلب نظام الرعاية الصحية في غزة، يحترق.
وكانت إسرائيل تعلم أن الهجمات على مستشفى الشفاء تنتهك القانون الدولي واتفاقية جنيف، لذلك كذبت وقالت إن هناك “قاعدة عمليات” عسكرية تحتها. وبعد قضاء أسابيع في نهب المجمع، فشل الجيش الإسرائيلي في تقديم أي دليل يدعم هذا الادعاء. ولكن هذا لا يهم، فقد تم تدمير الشفاء، وتم تبرير جانب آخر من هذه الإبادة الجماعية المستمرة.
ولم يكن الهدف من الهجوم الإسرائيلي على الشفاء تحقيق تفوق عسكري ضد عدوها، بل زيادة معاناة الشعب الفلسطيني. وقد حرم هذا الهجوم سكان غزة من ملجأهم الرئيسي في وقت يواجهون فيه تهديدات متعددة. وقد أدى ذلك مرة أخرى إلى نزوح آلاف اللاجئين الذين لجأوا إلى هناك. لقد ترك الناس مشوهين بسبب القنابل والقناصة، وأطفالاً تم انتشالهم من تحت الأنقاض، وأطفالاً رضعاً جياعاً، وشيوخاً ضعفاء محرومين من الحصول على الرعاية الصحية. وقد حول الهجوم مكان الشفاء والأمان إلى موقع مذابح ومقابر جماعية. لقد استهزأ بالقانون الدولي وكشف عن قسوة إسرائيل.
عندما دمرت إسرائيل منازلنا، كانت خسارة مروعة. لكن تدمير الشفاء كان مأساة أكبر بالنسبة للكثيرين منا. ولم تكن هذه خسارة شخصية فحسب، بل كانت خسارة جماعية أيضا.
برحيل الشفاء بقي لنا جرح لا شفاء منه. ماذا سنفعل الآن، وماذا يمكننا أن نفعل، وكيف يمكننا إعادة البناء بعد أن تم تمزيق قلب مجتمعنا؟
دمرت إسرائيل جميع جامعات غزة وتأكدت من أن غالبية مستشفياتها أصبحت غير عاملة. لقد حولت الشفاء إلى كومة من الركام. لقد قتل عدداً لا يحصى من الأطباء والممرضات والأطباء والأطباء الأكاديميين. واضطر كثيرون آخرون إلى الإخلاء للبقاء على قيد الحياة. ومؤخراً، تلقينا النبأ المأساوي المتمثل في مقتل الدكتور عدنان البرش، مدير قسم العظام في مستشفى الشفاء، عقب اختطافه والتحقيق معه من قبل جنود الاحتلال. ومن لا يزال منا في غزة لا يستطيع أن يفعل شيئا سوى الجلوس والانتظار لمعرفة من سيُقتل بعد ذلك، أو أي مبنى حيوي سيتم استهدافه. هذه ليست حياة.
وبينما نأمل أن تنتهي حرب إسرائيل على غزة، وأن يتم التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، فإننا نخشى أيضًا مما سيحدث بعد ذلك – كيف ستبدو الحياة في غزة بعد هذه الإبادة الجماعية، وكيف ستبدو بدون الشفاء؟ وهل نستطيع إعادة بناء قطاعنا الصحي بعد كل الخسائر التي تعرضنا لها؟ ونحن نعلم أننا لا نستطيع أن نحل محل الشفاء، على الأقل في المدى القصير. ولكن يمكننا أن نبقي على قيد الحياة ما يمثله: آمالنا في مستقبل أفضل، وقوة ومرونة مجتمعنا.
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء المؤلف ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.
اكتشاف المزيد من موقع علم
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.