هل بدأ الوباء التالي بالفعل؟ | جائحة فيروس كورونا
وفي منتصف يوليو/تموز، أبلغت ولاية كولورادو الأمريكية عن ست حالات إصابة بأنفلونزا الطيور – أو H5N1 – في عينات مأخوذة من عمال الدواجن. وبذلك يرتفع العدد الإجمالي الوطني إلى 10 حالات أكدتها المراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض والوقاية منها (CDC) منذ أبريل 2024.
وقد قامت حكومة الولايات المتحدة بتعزيز الاختبارات الحيوانية/الحيوانية، وتكتشف الآن المزيد من حالات الإصابة بالفيروس في الأبقار والثدييات الأخرى. وحتى الآن، تم الإبلاغ عن فيروس H5N1 في أكثر من 160 قطيعًا من الأبقار.
ويأتي العدد المتزايد من الحالات وسط قلق متزايد بشأن انتشار الفيروس، حيث تشير دراسة حديثة نشرت في مجلة نيتشر إلى أن فيروس H5N1 الموجود في الأبقار قد يكون أكثر قدرة على التكيف مع البشر.
واستجابة لهذا الوضع، منحت الحكومة الأمريكية مؤخرًا مشروعًا بقيمة 176 مليون دولار لشركة Moderna لدعم التجارب السريرية للقاح mRNA ضد الفيروس. وأصبحت بلدان أخرى أيضًا في حالة تأهب بشأن هذه التطورات، حيث أطلقت فنلندا حملة تطعيم تهدف إلى حماية المجتمعات الأكثر عرضة للخطر من المرض.
وقد دفعت التقارير المتكررة بشكل متزايد عن حالات جديدة بعض الخبراء إلى الإشارة إلى أن حالة وبائية أخرى قد تكون في الأفق. وفي حين أن هذا ليس مؤكدا إلى حد كبير، فلا يزال يتعين علينا أن نكون مستعدين له. ومع ذلك، فإن استعداد العالم للاستجابة لمثل هذه التهديدات الصحية لا يزال يبدو مجزأً وغير منصف. وينبغي أن يكون مصدر قلق لنا جميعا أننا لا نزال لا نملك الأدوات الكافية للكشف المبكر والاحتواء.
ما نعرفه حتى الآن هو أن فيروس H5N1 هو فيروس سريع الحركة وسريع التطور ويمكن أن يسبب مرضًا شديدًا والوفاة. ومع ذلك، فإن الافتقار إلى الاختبارات التشخيصية والتسلسل الجيني للإنسان والحيوان يحجب فهمنا لكيفية تحور الفيروس وما إذا كانت هناك أي طفرات محتملة قد تزيد من احتمالية انتقال العدوى من إنسان إلى آخر. إن الافتقار إلى التركيز على المراقبة والاستثمار في وسائل التشخيص هو أمر غير مسؤول.
ومن الأهمية بمكان تجنب تكرار الأخطاء الناجمة عن جائحة كوفيد-19، خاصة عند التعامل مع فيروس H5N1، حيث يمكن أن تكون المخاطر أكبر بسبب ارتفاع معدل الوفيات. وعلى مدى السنوات العشرين الماضية، تم الإبلاغ عن نتائج مميتة في حوالي 50 بالمائة من الحالات المعروفة.
من المحتمل أن يكون هناك نقص في الإبلاغ عن الإصابات وتشخيصها بسبب محدودية القدرة على الاختبار وبالتالي قد يكون معدل الوفيات أقل. علاوة على ذلك، لن يتكرر هذا المعدل بالضرورة إذا استقر الفيروس بين البشر. ومع ذلك، لا يزال هناك خطر يتمثل في أن جائحة H5N1 قد يكون مختلفًا بشكل كبير عن وباء فيروس كورونا 2019 (COVID-19)، وأكثر فتكًا.
الخبر السيئ هو أنه في الوقت الحاضر، لا توجد اختبارات تشخيصية متاحة تجاريًا للكشف عن فيروس H5N1 على وجه التحديد. تعد الاختبارات (الجزيئية) المعتمدة على الحمض النووي هي المعيار الذهبي الحالي للكشف عن فيروسات الأنفلونزا، ولكنها تتطلب بشكل عام بنية تحتية معملية لدعم استخدامها. وحتى عندما تكون هذه البنية التحتية متاحة، فإنها قد لا تعمل بالسرعة الكافية. على سبيل المثال، عندما تم اختبار فتاة أسترالية مريضة للكشف عن أنفلونزا الطيور في مارس/آذار، استغرق الأمر عدة أسابيع للحصول على النتيجة الإيجابية.
وكما رأينا خلال جائحة كوفيد-19، فإن الاختبارات السريعة التي يمكن أن توفر نتيجة في حوالي 10 إلى 15 دقيقة هي أداة حاسمة لاحتواء تفشي المرض – حتى لو كانت أقل حساسية من الاختبارات الجزيئية. إن الاستثمار في البحث والتطوير الذي يؤدي إلى اختبارات سريعة وبأسعار معقولة لأنفلونزا H5N1 يمكن أن يرسي الأساس للتأهب.
وينبغي إتاحة الاختبارات في جميع أنحاء العالم – بما في ذلك البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل – وإعطاء الأولوية للمجموعات السكانية حيث يوجد احتمال تعرض الإنسان للفيروس، مثل المزارع أو العيادات البيطرية.
إن توسيع نطاق مراقبة مجموعات الطيور والحيوانات، وتدريب الموظفين بشكل فعال، وتبسيط آليات الإبلاغ واستخدام التقنيات المتطورة مثل الذكاء الاصطناعي للتحليل السريع، يجب أن تكون جميعها من أولويات الحكومات. ويجب أيضًا أن تكون هناك حوافز لتشجيع السكان المعرضين للخطر، والذين يعملون حاليًا مع الحيوانات التي يحتمل أن تكون مريضة، على إجراء الاختبار.
ويعد التعاون الفعال والمستمر في تطوير وتبادل العلاجات واللقاحات أمرا ضروريا بنفس القدر. الشراكات، مثل الوصول إلى أدوات تسريع الوصول إلى أدوات كوفيد-19 – والتي تضم قادة الصحة من منظمة الصحة العالمية؛ مؤسسة وسائل التشخيص الجديدة المبتكرة (FIND)؛ جافي، تحالف اللقاحات؛ وينبغي استخدام التحالف من أجل ابتكارات التأهب للأوبئة (CEPI) لتشجيع الحكومات ومجموعات الأدوية على ضمان إنتاج تدابير صحية مضادة على نطاق واسع وإتاحتها لجميع البلدان.
هذه ليست مؤسسة خيرية، إنها استثمار في الصحة العامة العالمية لضمان حمايتنا جميعًا. لا يمكن لأي بلد أن يوقف الوباء بمفرده.
ربما يكون قد فُقد أكثر من مليون شخص خلال كوفيد-19 بسبب عدم المساواة. نحن بحاجة للتأكد من أن هذا لن يحدث مرة أخرى. ولا بد من التركيز على مساعدة البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل في الوصول إلى جميع التدابير المضادة اللازمة للتصدي للوباء المقبل.
إن التحرك مطلوب الآن، في حين لم يتم اكتشاف انتقال العدوى من إنسان إلى إنسان بعد، حتى يتسنى نشر استجابة عالمية سريعة منسقة لفيروس H5N1، إذا حدث ذلك وعندما يحدث ذلك.
لا تشير الحالات الجديدة في كولورادو إلى أن العالم على وشك الانتهاء، ولكنها إشارة تستحق الاهتمام. وفي حين أن الولايات المتحدة وغيرها من الدول الغربية قادرة على اتخاذ التدابير اللازمة، فإن الدول الفقيرة التي لا تملك الموارد أو القدرة على الوصول إلى التكنولوجيا لن تتمكن من ذلك.
ولا يهدد هذا الوضع غير المتكافئ الأمن الصحي الوطني فحسب، بل يعيق أيضًا قدرة العالم على الوقاية من جائحة H5N1 إذا ظهر. ويتعين على زعماء العالم أن يعترفوا بالترابط بين الأنظمة الصحية وأن يلتزموا بتوزيع الموارد بشكل عادل.
إذا بدأ فيروس H5N1 في الانتشار من إنسان إلى آخر ولم نكن مستعدين لذلك، فسوف ندفع ثمنا باهظا لا يمكن تصوره من حيث الأرواح البشرية وسبل العيش.
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء المؤلف ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.
اكتشاف المزيد من موقع علم
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.