نحن بحاجة إلى إجراءات مناخية عاجلة في مناطق النزاع | آراء
خلال الأسابيع القليلة الماضية، تسبب موسم الأمطار الرطب بشكل غير عادي في حدوث فيضانات مدمرة في جميع أنحاء السودان. وقد تأثر عشرات الآلاف من الأشخاص الذين شردتهم الحرب الأهلية السودانية، ونزح عشرات الآلاف الآخرين بسبب مياه الفيضانات التي اجتاحت منازلهم. وقد زاد ذلك من معاناة الشعب السوداني الذي يواجه نقصًا حادًا في الغذاء والأدوية والمأوى وغيرها من الأساسيات منذ بدء الصراع في أبريل 2023.
وفي الوقت نفسه، في غزة، أدى ارتفاع درجات الحرارة وعدم الحصول على المياه العذبة وخدمات الصرف الصحي إلى جعل الحياة بائسة لحوالي مليوني فلسطيني شردتهم الحرب. كما سهّل الطقس الحار انتشار الأمراض المعدية.
توضح هذه التطورات الخطيرة في السودان وغزة كيف يمكن للطقس المتطرف المرتبط بتغير المناخ أن يؤدي إلى تفاقم الأزمات الإنسانية الحادة بالفعل الناجمة عن الصراعات. وهذه ليست الأماكن الوحيدة التي تلتقي فيها الحرب بتغير المناخ لتنتج كوارث إنسانية.
وفي نهاية عام 2023، قدرت الأمم المتحدة أن 117.3 مليون شخص نزحوا في جميع أنحاء العالم، منهم 68.3 مليون نازح داخليا. السبب الرئيسي للنزوح هو الصراع، لكن الكوارث المرتبطة بتغير المناخ، مثل العواصف والفيضانات والجفاف وحرائق الغابات، خلفت أيضًا حوالي 20.3 مليون شخص بلا مأوى في العام الماضي.
إن تغير المناخ ليس مجرد عامل نزوح، فهو يعمل كعامل مضاعف للتهديدات التي تزيد من حدة المنافسة على الموارد، وتؤدي إلى تفاقم الصراعات، وتعميق عدم المساواة الاجتماعية والاقتصادية، وزيادة الضعف.
ولهذا السبب، يجب أن يكون العمل المناخي جزءًا من استراتيجية التدخلات الإنسانية والتنموية والسلام المتكاملة في جميع أنحاء العالم، وخاصة في المناطق التي تمزقها الصراعات مثل الشرق الأوسط، حيث من المتوقع أن يؤدي تغير المناخ إلى المزيد من زعزعة استقرار المجتمعات الهشة بالفعل.
وفي السنوات المقبلة، من المرجح أن تؤدي حالات الجفاف ونقص المياه والظواهر الجوية القاسية إلى زيادة النزوح، مما يفرض ضغوطا إضافية على النظم العامة الضعيفة ويؤدي إلى تدهور الظروف المعيشية للملايين.
وساهمت حالات الجفاف المتكررة في نزوح ما يقرب من 140 ألف شخص في العراق حتى مارس 2024، وفقًا لتقديرات المنظمة الدولية للهجرة. وفي اليمن، نزح 240 ألف شخص حديثاً في عام 2023، معظمهم بسبب الفيضانات، بالإضافة إلى 4.5 مليون شخص نزحوا بسبب الصراع المستمر.
ومن الضروري التحرك بشكل أسرع للحد من تأثير تغير المناخ، بما يتماشى مع اتفاق باريس. ولكن بالنسبة للمجتمعات الضعيفة والهشة، من المهم بنفس القدر مساعدتها على بناء المرونة والقدرة على التكيف، حتى نتمكن من تقليل ومعالجة وحتى تجنب النزوح والهجرة القسرية.
وقد سلط منتدى أسوان الذي اختتم أعماله مؤخرًا الضوء على الحاجة الملحة لمعالجة آثار المناخ والصراع. كان هذا الموضوع بارزًا في المناقشات التي جرت في مصر خلال مؤتمر الأطراف السابع والعشرين، وفي الإمارات العربية المتحدة خلال مؤتمر الأطراف الثامن والعشرين، وسيكون مجددًا في أذربيجان في مؤتمر الأطراف التاسع والعشرين القادم.
ومع ذلك، حتى الآن، فإن التأييد للعمل لا يزال ناقصا. وفي المنطقة العربية، تلقت ستة بلدان ناشئة – ثلاثة منها متأثرة بالصراعات – 6% فقط من دعم تمويل المناخ المقدم للمنطقة العربية على مدى العقد الماضي.
لا يمكن أن يكون العمل والدعم المالي أكثر إلحاحًا. في جميع أنحاء العالم، وخاصة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، أصبحت الصراعات أكثر أمدا وتعقيدا، وأصبحت متورطة في أنظمة الحكم الضعيف، وعدم المساواة، والتدهور البيئي.
كما أن العواقب المترتبة على تلك الصراعات المعقدة أصبحت أكثر خطورة. وتشير الأدلة إلى أن البلدان الخارجة من حروب أهلية تحتاج في المتوسط إلى 14 عاماً للتعافي اقتصادياً و25 عاماً لإعادة بناء أنظمتها ومؤسساتها.
إن التحديات المناخية المستمرة، بالإضافة إلى الاحتياجات الإنسانية المتزايدة في هذه البلدان المتضررة من الصراعات، لن تؤدي إلا إلى جعل بناء السلام والتعافي والتنمية أكثر صعوبة.
ويلزم اتباع نهج أكثر استباقية ووقائية في جميع أنحاء المجتمع الدولي. وعلينا أن نستثمر في الوقاية ونعطيها الأولوية.
ويجب علينا – بشكل عادل – أن نجني فوائد الابتكار المسؤول، باستخدام التكنولوجيا، وتعزيز المجتمعات السلمية والشاملة، وتوفير الوصول إلى العدالة للجميع، وبناء مؤسسات فعالة وخاضعة للمساءلة لتسخير قوة السلام والتنمية.
لن نتمكن أبدًا من التكيف حقًا مع جميع آثار تغير المناخ دون تحقيق سلام فعال ووضع حد للصراعات الطويلة الأمد والمتكررة التي أدت إلى الكثير من النزوح، خاصة في أفريقيا. إذا كانت دول العالم جادة حقًا بشأن تحقيق أهداف التنمية المستدامة لعام 2030، فيجب على قادة العالم أن يكثفوا جهودهم ويساعدوا في إنهاء الحروب.
إن التقاطع بين تغير المناخ والصراع والنزوح يشكل تحديا معقدا ومتناميا يتطلب استجابة عالمية منسقة. ومن خلال العمل المبكر، والاستثمار في القدرة على الصمود، وبناء القدرات أو الهياكل الحكومية، ودمج العمل المناخي مع الجهود الإنسانية والإنمائية، يمكننا العمل نحو مستقبل حيث تكون الهجرة خيارا، وليس ضرورة.
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء المؤلف ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.
اكتشاف المزيد من موقع علم
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.