من أوكرانيا إلى غزة، تحتاج الأمم المتحدة إلى إصلاح عاجل لمعالجة أزمات القرن الحادي والعشرين | الأمم المتحدة
ترتكز الأمم المتحدة على ثلاث ركائز متساوية الأهمية ومترابطة: التنمية المستدامة، والسلام والأمن، وحقوق الإنسان. وباعتماد خطة التنمية المستدامة لعام 2030 في عام 2015، أكد زعماء العالم أن “التنمية المستدامة لا يمكن تحقيقها بدون السلام والأمن”.
وعندما كان يجري التفاوض على جدول الأعمال، لم يكن هناك ما يضمن التوصل إلى اتفاق في هذه المرحلة. كان لدى الكثيرين في الجنوب العالمي شكوك حول تضمين السعي لتحقيق السلام كهدف. وأعربوا عن خشيتهم من أن يؤدي ذلك إلى فرض شروط غير عادلة والإضرار بالبلدان النامية التي مزقتها الحروب.
وأصر الشمال العالمي على أنه لا يحاول تقديم شرط السلام، بل مجرد الاعتراف بأن الصراع العنيف لا يفضي إلى التنمية المستدامة وأن السلام هدف إنمائي مشروع.
وكانت النتيجة التوفيقية هي الهدف 16 من أهداف التنمية المستدامة، الذي يعترف بالأهمية المركزية لتحقيق السلام والتنمية من خلال ضمان وجود مؤسسات شاملة وسيادة القانون وحماية حقوق الإنسان والوصول إلى العدالة.
واليوم ليس هناك شك في الترابط بين السلام والتنمية المستدامة. يعد تصاعد الصراعات المسلحة في أجزاء مختلفة من العالم أحد العوامل الرئيسية التي تحول دون التقدم في أهداف التنمية المستدامة.
على سبيل المثال، يخلف الغزو الروسي لأوكرانيا تأثيرات مدمرة متعددة على العديد من الدول، بما في ذلك تلك المتضررة من تداعيات الإمدادات الغذائية أو الطاقة. تسبب حرب غزة اضطرابات واسعة النطاق في الشرق الأوسط.
وبشكل أكثر عمومية، فإن التأثير الاستقطابي لمثل هذه الأزمات يؤدي إلى تآكل الإجماع الدولي الذي أدى إلى ظهور أهداف التنمية المستدامة وإضعاف استعداد الدول للالتزام بالتعاون والتضامن المتعدد الأطراف.
الإصلاح والتجديد
إننا نعيش في عالم يتسم بتهديدات متزايدة ومتنوعة للسلام والأمن الدوليين. وهذا يشكل تحدياً كبيراً للأمم المتحدة، المكلفة بموجب ميثاق الأمم المتحدة (باعتباره أول مقاصد المنظمة) بمهمة “صيانة السلام والأمن الدوليين”. فهل الأمم المتحدة مؤهلة لتحقيق هذا الهدف في القرن الحادي والعشرين؟ فهل تمكنها مؤسساتها ومواردها من لعب الدور المتوقع منها منذ عام 1945 فيما يتعلق بمنع الصراعات والحفاظ على السلام؟ أم أن الأمم المتحدة أصبحت عفا عليها الزمن بسبب المنافسة بين القوى الكبرى، وبسبب قواعدها التي عفا عليها الزمن، والإهمال الدولي التدريجي لصندوق الأدوات المتاح لها؟
وليس من المستغرب أن تكون هذه القضايا من بين أولويات قمة المستقبل، التي تجتمع في نيويورك في الفترة من 22 إلى 23 سبتمبر/أيلول.
لم يكن الأمر أكثر إلحاحا من أي وقت مضى لإعادة تنشيط دور الأمم المتحدة في تحديد مساحة للحوار والتفاوض والتسوية ومساعدة الدول الأعضاء على حل الصراعات. والسؤال الرئيسي الآن هو ما الذي يتعين علينا أن نقوم به، على المستويين المؤسسي والمالي، لتعزيز قدرات الأمم المتحدة على إدارة الأزمات المتزايدة التعقيد والمتعددة الأوجه.
ومن الواضح أن مجلس الأمن عفا عليه الزمن، فهو يعكس في عضويته الدائمة وفي حق النقض الذي يتمتع به هذا الأخير نظاما عالميا عفا عليه الزمن منذ زمن طويل. على سبيل المثال، على الرغم من أن ثلثي أعمال المجلس تتعلق بالقضايا الأفريقية، إلا أنه لا يوجد أعضاء أفارقة دائمون.
العديد من اللاعبين الإقليميين البارزين، مثل البرازيل والهند واليابان وألمانيا، يدافعون عن العضوية الدائمة التي يمكن اعتبارها أقوى من بعض الدول الخمس الحالية.
نحن نعيش في عالم متعدد الأقطاب بشكل واضح، وقد خلفتنا منذ فترة طويلة أيام قوة أو قوتين عظميين. ولا تستطيع أي دولة، مهما كانت كبيرة أو قوية، أن تحل تحديات العالم بمفردها.
تحتاج جميع الدول إلى حلفاء، سواء كانت الأجندة تتمثل في نزع فتيل التهديدات المباشرة للسلام والأمن الدوليين أو إحراز تقدم في المنافع العامة العالمية مثل العمل المناخي والتنمية المستدامة وحقوق الإنسان (التي تقدم مساهماتها الخاصة في الأمن العالمي).
وفي الجمعية العامة، يتم الاعتراف بوضوح بالترابط بين جميع هذه القضايا.
ومع ذلك، فإن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة عالق في دوامة زمنية، حيث تهيمن عليه العضوية الدائمة التي تتمتع بحق النقض، وهو ما يعكس الحقائق الجيوسياسية لعام 1945 بدلاً من الواقع الحالي.
إن شرط الاتفاق بين الأعضاء الدائمين يحد من قدرة المجلس على تقرير ما يشكل تهديدًا للسلم والأمن الدوليين وكيفية الرد عليه.
ورغم أن الانقسام بين الدول الخمس كان لفترة طويلة سمة من سمات عمل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، إلا أن السنوات القليلة الماضية شهدت تصاعداً في الاستقطابات التقليدية. وتفاقمت النزاعات التجارية والتوترات الاستراتيجية بسبب المواجهات المريرة بشأن سوريا وأوكرانيا وغزة. إن المنافسة المتزايدة بين الولايات المتحدة والصين على الهيمنة على العالم تؤدي بشكل متزايد إلى تأجيج الخلاف في المجلس.
إن حق النقض الذي تتمتع به الدول الخمس هو الذي يسيء إلى سمعة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.
وتستخدم روسيا بانتظام حق النقض (الفيتو) ضد مشاريع القرارات التي ترى أنها تهدد مصالحها في سوريا وأوكرانيا. وتفعل الولايات المتحدة الشيء نفسه إذا رأت أن مصالح إسرائيل مهددة.
والنتيجة هي شل قدرة هذا الجهاز الرئيسي التابع للأمم المتحدة على العمل.
وفي محاولة للخروج من المأزق، أطلقت فرنسا منذ عدة سنوات مبادرة بموجبها تقوم الدول الخمس طوعاً بتقييد استخدامها لحق النقض في حالة مشاريع القرارات المتعلقة بالفظائع الجماعية أو الأزمات الإنسانية. وبما أن موافقة الدول الخمس ستكون مطلوبة للمضي قدماً في هذا الأمر، فقد ظل الاقتراح ميتاً إلى حد ما.
ويتعين على مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة أن يكون أكثر تمثيلاً للعالم الذي نعيش فيه، وأن يعترف، على سبيل المثال، بدور ونفوذ القوى الإقليمية الناشئة. إننا بحاجة إلى مجلس يحد من صلاحيات النقض الممنوحة للأعضاء الخمسة الدائمين، ويلغيها بشكل مثالي.
إن التركيز بشكل أكبر على المشاركة الجماعية في صياغة الاستجابات للأزمات التي تقودها الأمم المتحدة من شأنه أن يساعد في تعويض هيمنة الولايات المتحدة وروسيا والصين.
ونحن بحاجة أيضاً إلى إصلاح شامل لبنية بناء السلام وقدرة الوساطة في الأمم المتحدة، وتعزيز حماية المدنيين العالقين في الصراعات المسلحة، بالإضافة إلى مجموعة من الإصلاحات الأخرى. وقبل كل شيء، نحتاج إلى قيام جميع الدول الأعضاء بتجديد التزامها بالمبادئ والآليات المنصوص عليها في ميثاق الأمم المتحدة لصون السلام والأمن الدوليين. ونأمل أن تكون قمة المستقبل هي اللحظة المناسبة لهذا التجديد.
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء المؤلف ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.